الجزائر أو رسمياً الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية دولة عربية[4] تقع في شمال غرب القارة الأفريقية، تطل شمالا على البحر الأبيض المتوسط ويحدها من الشّرق تونس وليبيا ومن الجنوب مالي والنيجر ومن الغرب المغرب والصحراء الغربية وموريتانيا. تلقب بـبلد المليون ونصف المليون شهيد نسبة لعدد شهداء ثورة التحرير الوطني التي دامت 7 سنوات ونصف. الجزائر عضو مؤسس في اتحاد المغرب العربي سنة 1988، وعضو في جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة منذ استقلالها، وعضو في منظمة الوحدة الأفريقية والأوبك والعديد من المؤسسات العالمية والإقليمية. الجزائر ثاني أكبر بلد أفريقي وعربي من حيث المساحة بعد السودان، والحادي عشر عالميا.
تاريخ الجزائر
الجزائر خلال العهد الفينيقي
الفينيقيون هم أمة سامية من ولد كنعان بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام كانوا يستقرون بجزيرة العرب وارتحلوا بعد ذلك إلى الشام مع إخوانهم ليستقروا بفينيقيا، أرض لبنان الحالية وجزء من سوريا وفلسطين، وصار الشام يطلق عليها أرض كنعان وهم العرب في نسبهم ووطنهم.
كان الفينيقيون يسيطرون على التجارة الداخلية والخارجية لسواحل البحر المتوسط، بعد أن أنشئوا محطات تجارية، من أبرزها قرطاجنة عام 814 ق.م على الساحل التونسي. ولقد امتد نفوذ قرطاجنة ليصل إلى غاية السواحل الجزائرية، ليؤسسوا بها مدناً ساحلية جزائرية، كبجاية وتنس وشرشال وهيبون (عنابه)، جيجل ووهران.
العلاقات السياسية لقد كانت العلاقات الجزائرية مع قرطاجنة موصوفة بالمودة، وهذا ما يظهر جليا من خلال العلاقات التجارية والمصاهرة التي كانت بينهم، فقرطاجنة لم تشأ أن تبسط نفوذها على الأراضي الجزائرية، مدام مصالحها مضمونة من خلال التحالفات التي كانت قائمة بين أمراء البربر، ومدام هذا الأمر يجعل من قرطاجنة الوصية والحامية على الإمارات البربرية.
العلاقات الاقتصادية لم يكن يهم قرطاجنة التوسع في الأراضي الجزائرية، بقدر ما كان يهمها استثمار أهل البلاد واستغلالهم، وهذا ما جعل البرابرة يكرهونهم، لأن هذا الاستغلال كان قبيحا وقاسيا، فهدف قرطاجنة من خلال إقامة تلك العلاقات الودية مع الجزائريين، هو ضمان القدر الكافي من الأمن للسماح بالازدهار التجاري.
الفترة الرومانية
- موريطانية القيضرية* الجزائر في ظل الاحتلال الروماني
-اطلقت الامبراطورية الرومانية علي القسم الشرقي من المملكة التي كان يحكمها الملك بطليموس ابن يوبا الثاني اسم مقاطعة موريطانية القيصرية prov.mauretania caesareeansis كان ذالك عام 42م بعد أن غزا الامبراطور كاليغولا باغتيال بطليموس لتصبح المملكة في حوزة الإقليم العسكري الخاضع لسلطة التاج الامبراطوري مباشرة.ومعروف ان موريطانية الشرقية أصبحت تنعت بالقيصرية نسبة لعاصمتها الإدارية ايول /شرشال/حاليا التي غير اسمها يوبا الثاني واطلق عليها لقب ولي نعمته الامبراطور *اوكتافيوساغسطس*الملقب بقيصر تكريما له وعرفانا بفضله عليه ثم عمل علي جعلها مدينة مشابهة للمدن الهلينسية في مضهرها العمراني ومضمونها الحضاري ونضرا للشهرة التي بلغتها عاصمة المملكة ايام تحولها الي الإدارة الرومانية كان طبيعيا ان يتخذ منها مقرا لحكام المقاطعة وتسمي المقاطعة الجديدة المقامة علي القسم الغربي من موريطانيا بمقاطعة موريطانية الطنجية prov.mauretania tangitana نسبة لمدينة طنجة التي اتخذ منها الحاكم الروماني مقرا لقيادته.وقد كانت طنجة بدورها مدينة عريقة وعاصمة لمملكة بوغود من قبل وموريطانية مصطلح جغرافي اشتقه الأقدمون من اسم *المور* وهم اقوام ليبية قديمة كانت تسيطر علي المناطق الغربية من بلاد المغرب وأغلب الضن ان للمصطلح جذور فنيقية علي اعتبار القرابة اللغوية من حيث اللفض والمعني بين عبارة /ماحورين/ الفينيقية التي تعني اهل المغرب أو المغاربة الذين يقطنون الجهات التي تغرب فيها الشمش وهي مطابقة لما تعنيه كلمة *مغرب*في العربية.وعبارة *ماور* أو*مور*mouros التي حافضت علي نفس المدلول الجغرافي عند اليونان والرومان ومنهما الي اللغات الاروبية الحديثة.ولعل اقتناع الرومان بدقة مدلول هذا المصطلح هو الذي جعلهم يحتفضون به ولم يغيروه ولو جزئيا رغم الخلط الذي نضن انه ربما كان يحدث لهم عندما ابقوا علي مقاطعتين متجاورتين تسميان به /موريطانية القيصرية-موريطانية الطنجية/ اذان كلا المقاطعتين تقعان في جهة الغرب بالنسبة اليهم ولايميز بينهما سوي اسمي عاصمتيهما وحتي المقاطعة الثالثة التي استحدثوها فيما بعد علي الجزء الشرقي من القيصرية احتفضوالها بنفس الاصطلاح وميزوها عن المقاطعتين القديمتين باسم عاصمتها الإدارية *سيتيفيسsitifis*فدعوها *موريطانية السيتفية*
الممالك البربرية
كان القرطاجيين اثرهم الحضاري في البربر، فعنهم اخد البربر مبادئ النظم الإدارية والاجتماعية وبعض الصناعات وعلى الاخص التعدين وعصر الزيوت والخمور
وعندما اشتد الصراع بين روما وقرطاجة، ونشبت بينهما الحروب البوبكية التي استمرت 120 عاما ـ من 264 ق.م. إلى 146 ق. م. ـ استطاع البربر ان يتحرروا من نفوذ قرطاجية، وكوّنوا لآنفسهم دولة مستقلة شملت الأوسط والأقصى.
و لعل أشهر ملوك البربر في هذه الفترة هو مسينيسا، فقد وقف حياته في خدمة بلاده وتوفير مصالح شعبه، وعمل على نشر اللغة القومية بين الشعب، وكوّن جيشا واسطولا بربريا قويا، وضرب النقود باسمه، وارتقى بوسائل الري والفلاحة وجلب لذلك الخبراء الفنيين من اليونان وإيطاليا، وعمل على توطيد علاقاته مع روما عروة قرطاجة ليحقق هدفه الذي عاش يعمل له وهو توحيد المغرب
و قد ظل في نزاع مع قرطاجة، ناصرته فيه روما ولكنها ارسلت جيوشها خشية ان يتغلب على قرطاجة ويوحد شمال أفريقيا ويتعاضم امره ولا تامن روما القوة التي تنجم عن الوحدة السياسية المغربية. وعندما انتصرت روما على قرطاجة ودمرتها عام
ق, م. قسمت بلاد المغرب إلى ثلاث وحدات إدارية هي..... 146
أفريقيا كانت تشمل أكثر المدن التونسية وقد وضعت تحت الإدارة الرومانية مباشر..1
قسنطنية وقسمت مناصفة إلى مملكتين، وحدة برئسة مسبسا ابن مسينسا نوميديا.. وكانت تمتد من البلاد ال تونسية إلى..2 و الاخر برئسة يوقورطا
مورطانيا ووضع على رأسها القائد البربري بوكوس هذا ولم يخضع الملك يوقورطا للرومان، وبذل جهوده في ترقية شعبه..3 وعمل على توحيد بلاد المغرب واستطاع ان يبسط نفوذه على نوميديا كلها وخشيت روما ان يودين له كل المغرب فأعلنت عليه الحرب، وانتصر الرومان وما هو جدير بالذكر ان بوكوس، ملك موريطانيا وصهر يوقورطا وقف إلى جانب روما في حربها ضد يوقورطا، وعندما فر هذا الأ خير التجأ إلى بوكوس فسلمه هذا إلى أعدائه، وكافأته روما بأن ضمت مملكته الجزء الغربي من نوميديا
وقد تمتعت موريطانا الغربية بالاستقلال والرخاء والنهضة في ضل ملكها يوبا الثاني __25,ق، م...إلى 40 ميلادية ,,وقد سهر هذا الملك على خدمة بلاده ومصالح رعاياه ونهض بالزراعة والري وازدهرت الحياة الاقتصادية في عهده.. وقد جمل عاصمته شرشال التي أطلق عليها اسم القيصرية وجلب إليها الفنانين والمهندسين من مصر واليونان.. وشيدوا في أنحائها القصور الجملة والهياكل الفخمة. وأصبحت موطن الشعراء والفلاسفة والكتاب. ولاسيما ان يوبا نفسه كان مولعاًُ بالعلم. الف عدة كتب في الفلسفة والجغرارفية والتاريخ والموسيقة، وبذل من ناحيته عناية فائقة بنشر
الثقافة والمعرفة بين رعاياه ,,,,,,,,,,,,
ولم يكتمل للرومان بسط مطلق نفوذهم على جميع بيلاد المغرب الا بعد أن فشلت ثورة تاكفريناس. الذي أعلن العصيان في نوميديا و الثورة على روما، وعندما استسلم، بسطت روما سلطانها على بلاد المغرب واستعمرتها بشكل مباشر واستقر حكمها لشمال أفريقيا
الحضارة الرومانية في أفريقية الشمالية
استوطن الرومان بلاد المغرب وبذلوا طاقاتهم في استعمارها وعملوا عل تكثر ارض المغرب من إنتاج ما يمون روما وبذلك حفرو الابار وشقوا القنوات ونضموا وسائل الري وتعهدوا الفلاحة وأقاموا القناطر والطرقات ومن ذلك الطرق المرصوفة الكبيرة التي وصلت بين المدن الكبرى مثل الطريق الذي كان يصل بين طنجة وسلامارا بالعرائش ومن طنجة إلى وليلة وطريق تلمسان وليلة وقرطاجنة قسنطينة وطرابلس وتافنة وقد استخدمت هذه الطرق في الشؤون التجارية ورغم أن الرومان كانو قد شقوها لأغراض عسكرية
وقد تزايد الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي لبلاد المغرب حتى أصبحت شمال أفريقية تمول روما بالحبوب والفواكه والخمور والصوف والزيوت والمرمر والمصابيح الزيتية والاقمشة والاواني والخيول والبغال وكذلك كانت شمال أفريقية تمد روماة بالحيوانات الضاري التي كانت عاصمة الامبراطورية تحتاجها في ألعابها وحفلاتها ونتج عن ازدهار التجارة، ان ارتفع مستوى المعيشة وتضخمت الثروات وعددت المباني الفخمة وتزايد عدد السكان كما ازدهر الفن والادب ومختلف العلوم وظهر من بين البرابرة كتاب مبدعون وفلاسفة خالدون سيما بعد دخول المسيحية بنحو قرنين إلى البلاد ومن ذلك الكاتب ترتوليان الذي ولد بمدينة قرطاجنة والذي درس الحقوق وعمل قسيسا وصل إلى روما حيث مات عام 222 م واشهر مؤلفاته تلك التي قاوم بها الوثنية و من اعلام الفكر المغربي القديس أوغيستين الذي ولد عام 354 م ومات عام 430 م بمدينة عنابة واشهر مؤلفاته | مدينة الألهة و قد بدا ازدهار الفن في المغرب خلال العهد الروماني في تشييد الهيكل الفخمة المزدانة بالأعمدة الرخامية ة الماثيل الجميلة والمساريح والحمامات المزدانة بالفسيفسا وامتازت المنازل بالاروقة والاعمدة الرخمية والنافورات والحدائق ,, ولا تزل بعض هذه الأثار الرومانية منتشرة في مختلف أنخاء بلاد الشمال الأفريقي سيما من سوسة إلى وليلة بالمغرب الأقصى
الدولة الرستمية
الدولة الرستمية نشأت في المغرب الأوسط ـ الجزائر حاليا ـ على يد الإمام عبد الرحمن بن رستم
اشتهرت هذه الدولة بنظام الشورى المطبق فيها، وبعدالة أئمتها، وصلاحهم وتقواهم وعلمهم، وبازدهارها، وقد كان يعيش تحت ظلها أتباع كل المذاهب الإسلامية، وكانوا يمارسون عبادتهم بكل حرية وأمان، وكانت لهم مساجدهم وبيوتهم الخاصة التي يعيشون فيها مصانين الحقوق بعدل وإنصاف من غير تفريق بين مذهب ومذهب
امتدت حدود الدولة الرستمية في فترة من فتراتها الزاهرة من حدود مصر شرقا إلى مدينة تلمسان في أقاصي المغرب الأوسط غرب.، هجم عليها أبو عبد الله الشيعي داعية الفاطميين في سنة 296هـ، فدمرها وعاث فيها فسادا، وقتل أهلها، ولم يكتف بذلك، بل قام بإحراق مكتبة المعصومة بعد أن أخذ منها الكتب الرياضية والصناعية.
استمرت هذه الدولة لما يقرب من 140 سنة، منذ أن نشأت في عام 156 وحتى عام 296 للهجرة، أي أكثر من عمر الدولة الأموية والدولة العباسية.
نجح عبد الرحمن بن رستم في توطيد دعائم دولته خلال الفترة التي قدر له أن يحكمها (144-168هـ) وقد خلفه من بعده ابنه عبد الوهاب الذي بقى في حكم الدولة الرستمية عشرين سنة، ثم "أفلح بن عبد الوهاب" الذي حكم أكثر من خمسين عامًا (188-238هـ)، ثم تتابع في حكم الدولة الرستمية خمسة من الأمراء، هم: أبوبكر بن أفلح، وأبو اليقظان، فأبو حاتم، فيعقوب ابن أفلح، فاليقظان ابن أبى اليقظان آخر أمرائهم.
من أشهر مدن الدولة الرستمية : مدينة " تيهرت " العاصمة، ومدينة " وهران " ومدينة " شلف " ومدينة " الغدير " والمدينة " الخضراء "
اهتم أئمة الدولة الرستمية بالجانب الاقتصادي لدولتهم، فاهتموا بالزراعة وكانت تكثر فيها البساتين وزراعة الحبوب، والعصفر والكتان والسمسم، والنخيل، ومختلف الفواكه، والتين والزيتون، فكانت تدر عليهم أرباحا طائلة، وقد كانت تكثر فيها الأنهار، وأقام الرستميون خزانات وأحواض للماء كبيرة اكتشفها الأثريون، وكانت محكمة التصميم والهندسة، ليحافظوا على الماء أيام الجفاف، بل إنهم أوصلوا الماء إلى البيوت عن طريق الأنابيب وشق القنوات.
واهتموا كذلك بالرعي وتربية الماشية، لكثرة المراعي الخصبة في الدولة الرستمية، فكانوا يربون الغنم والبقر والجمال والخيول والبغال والحمير، وكانت تجارتها رائجة، وتصدر إلى الدول المجاورة، وكانوا يستغلونها في إنتاج الصوف، قال ابن حوقل يصف الماشية في تيهرت وأحوازها : " وهي أحد معادن الدواب والماشية والغنم والبغال والبراذين الفراهية، ويكثر عندهم العسل والسمن ".
وقد اهتم الرستميون بالتجارة أيما اهتمام، فأنشئوا الأسواق في مختلف المدن، فكانت رائجة بشتى أنواع البضائع والمؤن التي تأتي من داخل الدولة الرستمية نفسها أو من الدول الأخرى عن طريق العلاقات التجارية، حيث أنه كانت للدولة الرستمية علاقات تجارية مع الكثير من الدول كالأندلس ومصر وبلاد السودان وغيرها من الدول في المشرق والمغرب، فكانت القوافل التجارية تخرج من الدولة الرستمية محملة بشتى أنواع البضائع والمؤن إلى تلك الدولة، وتعود كذلك محملة بالبضائع التي تنتج في تلك البلاد، وكانت تجارة الذهب وبيع الرقيق رائجة في ذلك الوقت، وللدولة الرستمية نشاط كبير فيها، ووصل النشاط التجار ي في الدولة الرستمية إلى حد أنه كان يوجد بها التخصص في الأسواق، فكان بها سوق النحاس، وسوق الأسلحة، وسوق الصاغة، وسوق الأقمشة وغيرها من الأسواق.
وكذلك اهتمت الدولة الرستمية بإنشاء المكتبات العلمية الزاخرة بمختلف فنون العلم والآثار، ومن مكتباتها المشهورة مكتبة " المعصومة " التي كانت تحوي آلافا من المجلدات والكتب، أوصلها بعض الباحثين إلى ثلاثمائة ألف مجلد، فكانت تحوي بين رفوفها كتبا في علوم الشريعة من تفسير وحديث وفقه وتوحيد، وكتبا في الطب والرياضيات والهندسة والفلك والتاريخ واللغة وغيرها من العلوم المختلفة، ولم تكن كتبها مقتصرة على مذهب بعينه بل كانت تجمع مؤلفات لمختلف المذاهب الإسلامية، ومن المكتبات المشهور الأخرى " خزانة نفوسة " الجامعة لآلاف الكتب، وكذلك لم تخل منازل العلماء في الدولة الرستمية من وجود المكتبات الخاصة.
الدولة الإدريسية
كانت مناطق المغرب الغير التابعة للدولة الرستمية قبل ظهور الأدارسة تتكون من عدة إمارات تتنازع حكمها قوى مختلفة في الشمال والوسط والجنوب، ويتوزع سكانه بين إتباع عدة ديانات سماوية وعبادة الأوثان. تمكن المولى إدريس بن عبد الله المنتسب للبيت النبوي الشريف من الوصول إلى المغرب سنة 788م وبايعته القبائل البربرية بمدينة وليلي، فوضع بذلك نواة ثالث دولة مستقلة عن الخلافة في العالم الإسلامي بعد إمارة قرطبة والدولة الرستمية، وهي الدولة الإدريسية.
بعد مقتل إدريس الأول بايعت القبائل ابنه إدريس الثاني سنة 803 م، الذي أسس مدينة فاس واتخذها عاصمة لحكمه، كما عمل على تنظيم الإدارة والجيش وتوحيد البلاد، ولم تتجاوز حدود الأدارسة غربًا منطقة تلمسان. بعد وفاة إدريس الثاني تنازع أبناؤه على الحكم، فانقسمت المملكة وضعفت حتى سقوطها سنة 974 م.
الدولة الأغلبية
الأغالبة(184-296هـ/ 800-909م) أسرة عربية تنتسب إلى قبيلة تميم، حكمت إفريقية (تونس والقسم الأكبر من المغرب العربي) من نهاية القرن الثاني الهجري حتى نهاية القرن الثالث/ القرن التاسع الميلادي. وكانت حدود دولة الأغالبة تتسع وتتقلص بحسب قوة أمرائها وضعفهم. أسس الدولة إبراهيم بن الأغلب[ر] بن سالم بن عِقال بن خفاجة التميمي. وكان والده الأغلب ـ الذي سميت الدولة باسمه ـ أول من دخل إفريقية من هذه الأسرة، التي كانت قد استقرت في مَرْو الرُّوذ في خراسان، منذ الفتح الإسلامي. وكان قيام هذه الدولة في عهد الخليفة هارون الرشيد. وقد تلقب حكام هذه الدولة بالأمراء، وظلوا خاضعين لسلطة الخلفاء العباسيين اسمياً، فسكوا النقود باسمهم، وخطبوا لهم على المنابر، من دون أن يسمحوا لهم بالتدخل في شؤونهم الداخلية.
تأسيس الإمارة وأشهر حكامها
دخل الأغلب بن سالم إفريقية مع قوات محمد بن الأشعث سنة 144هـ/ 761م، وعهد إليه الخليفة العباسي المنصور بولاية إفريقية (تونس) سنة 148هـ/ 765م، ولكن سهماً أصابه سنة 150هـ/ 767م أدى إلى وفاته فعرف بالشهيد، وكان ابنه إبراهيم صغيراً، لم يتجاوز عمره عشر سنين، فقضى صباه في الدرس والتحصيل في الفسطاط (مصر). ولما شبّ دخل في جند مصر، ثم أتيح له دخول المغرب في ولاية الفضل بن روح فيما بين 177- 179هـ/ 794-796م، وتوصل بفضل شجاعته وحسن تدبيره إلى تولي منطقة الزاب في ولاية هَرْثَمة بن أَعْينِ لإفريقية، ثم قام بنصرة واليها الجديد محمد بن مُقاتِل بعد أن تغلب عليه أحد عماله سنة 181هـ/ 798م، ورده إلى إمارته. ولما علم الخليفة هارون الرشيد بحسن بلائه وإخلاصه للخلافة، جعله والياً على البلاد في مستهل سنة 184هـ/ 800م، بعد أن تعهد بدفع أربعين ألف دينار سنوياً إلى بيت مال الخلافة في بغداد، والاستغناء عن المعونة السنوية التي كانت تقدمها مصر إلى إفْرِيِفيّة ومقدارها مئة ألف دينار.
بدأ إبراهيم ولايته ببناء مدينة العبّاسية أو القصر القديم سنة 184-185هـ/ 800 -801م في الجنوب الشرقي من القَيروَان، واتخذها عاصمة له، ونقل إليها السلاح والعدد، ثم انتقل إليها بأهله وحرمه وعبيده وأهل الثقة من جنده. وكان يقصد بذلك التحرر من تسلط الجند المشاغبين ومدافعتهم، وكان من بين التدابير التي لجأ إليها ليحقق ذلك أنه راح يشتري أفراداً من السودان بحجة استخدامهم في الصناعة تخفيفاً على الناس من أعبائها، لكنه استخدمهم في الجيش ودربهم على حمل السلاح.
على أن الثورات في المغرب لم تلبث أن عادت سيرتها الأولى، وحدث ما كان يخشاه إبراهيم بن الأغلب، إذ ثار خريش بن عبد الرحمن الكنْدي سنة 186هـ/ 802م، وخرج على الأغالبة والعباسيين في آن واحد ونزع السواد شعار العباسيين، فأرسل إبراهيم جيشه لقتاله عند سبخة تونس، وانتصر عليه وفرض الأمن فيها. وفي سنة 189هـ/ 805م ثار عليه أهل طرابلس، وكانت تابعة له، وأخرجوا منها واليه سفيان بن المضاء لسوء معاملته لهم. فأرسل إبراهيم جيشاً أحضر الثوار إلى القيروان، ثم عفا عنهم وأعادهم إلى بلادهم. ومع ذلك فإن الفتن والثورات لم تهدأ في طرابُلس، فكانت تهيج بين الحين والآخر، ولا سيما قتال الرستميين للأغالبة، حتى نزل لهم الأغالبة عن المناطق التي يحتلونها جنوبي طرابلس.
أما أخطر هذه الثورات فثورة قائد إبراهيم ووزيره عمران بن مجالد سنة 194هـ/ 810م الذي شعر بقوته بعد الخدمات الكبيرة التي قدمها لولي أمره إبراهيم بن الأغلب، فاستولى على القيروان، وغلب على معظم بلاد إفريقية، واستمرت الثورة عاماً كاملاً حتى استعاد إبراهيم سلطته بعد أن دفع عطاء الجند الخارجين عليه، واضطر عمران إلى الفرار إلى بلاد الزاب، ودخل إبراهيم القيروان، فقلع أبوابها، وهدم أسوارها حتى لا تعود إلى الثورة.
تطلع إبراهيم إلى المغرب الأقصى حيث الدولة الإدريسية فاضطر إدريس إلى إرضائه، وسؤاله الكف عنه. وقد بلغ من استقلال إبراهيم بما تحت يده وقوة نفوذه أنه استقبل شارلمان في العباسية حاضرة الإمارة، وعقد هدنة مع حاكم صقلية قسطنطين نصت على مفاداة الأسرى.
توفي إبراهيم بن الأغلب سنة 196هـ/ 812م، بعد أن حكم إفريقية مدة اثنتي عشرة سنة. وكان فقيهاً، أديباً، شاعراً، خطيباً، ذا رأي ونجدة. وخلفه في الحكم ابنه أبو العباس عبد الله بن إبراهيم (196-201هـ/ 812 -817م) الذي كان يلي طرابُلُس لأبيه، فأخذ أخوه زيادة الله البيعة له من رؤساء الجند، ثم دخل القيروان سنة 197هـ/ 812م وأقره الخليفة المأمون على ما بيده من إفريقية.
عامل عبد الله سكان البلاد معاملة تنطوي على الكثير من العنت والجور، ولم يصغ إلى نصائح أهل الرأي فيها. وعدّل نظام الضرائب فجعل العشر ضريبة مالية ثابتة، حتى لا يتأثر الدخل السنوي بالخصب والجدب، فسخط الناس عليه، وطالبوا بإلغائها والعودة إلى نظام العشر الذي اعتادوه، كما عامل أخاه زيادة الله معاملة سيئة، وكذلك فعل مع أهل بيته. وكانت وفاته في سنة 201هـ/817م. فتولى الإمارة بعده أخوه زيادة الله بن إبراهيم (201- 223هـ/ 817 -837م) وكان أفصح أهل بيته لساناً وأكثرهم أدباً، وكان يقول الشعر، ويرعى الشعراء.
كثرت حركات الخروج عن الطاعة في أيام زيادة الله حتى إنه لم يعد يسيطر في بعض السنوات إلا على حاضرته وما يحيط بها، وترجع أسباب الاضطراب إلى استمرار زيادة الله على سياسة أخيه الجائرة مع الناس واستخفافه بالجند. ومن الثورات التي قامت في وجهه ثورة ابن الصقلبية في سنة 207هـ/ 822م في باجة التي قضى عليها بسهولة، وثورة عمرو بن معاوية القيسي سنة 208هـ/ 823م التي عرفت بثورة القصرين، فقضى عليها أيضاً، ثم ثورة منصور الطَنْبذي سنة 209هـ/ 824م في تونس التي كادت تودي بالدولة الأغلبية. واستطاع زعيمها إلحاق هزيمة قوات زيادة الله أكثر من مرة، حتى خرجت مدن كثيرة عن طاعته، واستبد بها القواد الذين دخلوا في طاعة الطنبذي، ومنها باجة والجزيرة وصَطْفورة وبَنْزَرْت والأرس وغيرها. ولم يبقَ في يد زيادة الله سوى عدد قليل من المدن، كما حاول الطنبذي احتلال القيروان نفسها، وإنهاء حكم زيادة الله سنة 209هـ/ 824م فلم ينجح، وضرب منصور الطنبذي السكة باسمه.
حاول علماء إفريقية التوسط بين زيادة الله والطنبذي كأبي محرز وأسد بن الفرات، ولكن الحرب لم تتوقف، إلى أن قام زيادة الله بهجوم كبير في منتصف جمادى الآخرة سنة 209هـ/ 12 تشرين الأول 824م، فانهزم الطنبذي إلى قصره بتونس، ولاذ رجاله بالفرار، ولكنه ما لبث أن استجمع قواه، وعاود القتال من جديد، وتضعضع حال زيادة الله ثانية، حتى كاد يخسر كل شيء، ولم يبق في يده إلا قابس ونفزاوة وطرابلس، ولم ينقذه إلا خلاف نشب بين منصور الطنبذي وعامر بن نافع أحد قادته، إذ انقلب عامر على الطنبذي واعتقله وسجنه في جزيرة جَرْبة ثم قتله. ولم تنتظم الأمور لعامر بن نافع فاضطر إلى الفرار بسبب التمزق في صفوف جنده، ولم تنته الفتنة إلا بوفاته، بعد مدة من الاضطراب دامت ثلاثة عشر عاماً.
بعد أن استتب الأمر لزيادة الله الأغلبي قرر الشروع بفتح صقلية سنة 212هـ/ 827م، فجهز حملة أسند قيادتها إلى القاضي الفقيه أسد بن الفرات الذي كان على علمه فارساً شجاعاً، ونزلت الحملة في مَزارة على أقصى الشاطئ الجنوبي الغربي، وهي أول عملية إنزال في صقلية من سلسلة عمليات طويلة استمرت مدة اثنين وخمسين عاماً، وانتهت بفتح سرقوسة سنة 264هـ.
توفي زيادة الله سنة 223هـ/ 838م بعد ولاية حافلة بجلائل الأعمال والخطوب، استمرت أكثر من إحدى وعشرين سنة، وخلفه في الإمارة أخوه الأغلب أبو عقال المعروف بخَزَر أو خزرون (223-226هـ/ 838 -841م) وكان ثالث أبناء إبراهيم بن الأغلب الذين تولوا الإمارة على التوالي بعده، وأحسن سيرة من أخويه، فقد أجزل للعمال الأرزاق والصلات الكثيرة وتمتعت البلاد في زمنه بالأمن والاستقرار، بفضل الإجراءات التي اتخذها، فقد ألغى الضريبة الثابتة، وأعاد ضريبة العشر، وحرص على دفع عطاءات الجند في مواعيدها المقررة، وكف أيدي عماله عن التطاول على أموال الناس والمظالم بزيادة رواتبهم، ودفعها لهم في أوقاتها، كما منع صنع النبيذ والخمر في القيروان، وعاقب على بيعه وشربه. ولم يعكر صفو الأمن في عهده إلا حركة الخوارج في إقليم الجريد فيما بين مدينتي قفْصَة وقَسْطيلية (توزر) الذي تسكنه قبائل لواته وزواغة ومكناسة، فاضطر إلى إرسال جيش لقتالها سنة 224هـ/ 838م.
توفي الأغلب أبو عقال سنة 226هـ/ 841م، بعد أن حكم سنتين وتسعة أشهر وأياماً وكان في الثالثة والخمسين من عمره وخلفه ابنه أبو العباس محمد (حكم 226-242هـ/ 841-856م) الذي كان من أطول أمراء الأغالبة عهداً، ولم يكن على شيء من العلم والدين، ولكنه كان مظفراً في حروبه. شاركه أخوه أحمد أمور الحكم في بدء عهده ثم خرج عليه وحاول أن يستقل بالحكم سنة 231هـ/ 844م، إلا أن محمداً كان له بالمرصاد فاستعاد سلطانه منه.
كانت أوضاع البلاد مستقرة في عهد محمد، ولم يعكر صفوها إلا بعض الاضطرابات التي قام بها قواد الجند في الزاب بقيادة سالم بن غلبون، وفي تونس بقيادة عمر بن سليم التجيبي الذي تفاقم أمره. وكان عصره عصر عظماء العلماء العبّاد مثل أبي محمد عبد الله بن أبي حسان اليحصبي (ت 227هـ/ 842م)، والبهلول بن عمر بن صالح (ت 231هـ/ 846م)، والإمام سحنون بن سعيد (ت 240هـ/ 854م) الذي تولى القضاء سنة 233هـ/ 847م، والذي يعود إليه نشر المذهب المالكي في إفريقية بفضل كتابه المعروف بالمدوَّنة، إلى جانب أعمال عمرانية متعددة.
أما عن السياسة الخارجية في عهد محمد بن الأغلب فأهمها استمرار الفتوح في صقلية، والاستيلاء على مناطق واسعة من قلورية (كلابرية) في جنوبي إيطالية حتى قاربت قواته رومة.
توفي محمد بن الأغلب سنة 242هـ/ 856م بعد أن حكم خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأياماً، تاركاً الملك لابن أخيه أبي إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب (حكم 242-249هـ/ 856-863م)، وكان حسن السيرة، كريم الأخلاق والأفعال، من أجود الناس وأسمحهم، وأرفقهم بالرعية، مع دين واجتناب للظلم على حداثة سنه، فانصرف إلى أعمال البر والخير، وجعل على قضاء القيروان أبا الربيع سليمان بن عمران بن أبي هاشم الملقب بخروفة. وكانت مدة حكم أبي إبراهيم أحمد هادئة، لم يعكر صفوها إلا اضطراب الأوضاع في منطقة طرابلس. أما عن الفتوح في صقلية، فقد كان مظفراً في حروبه فيها، فاستولى على قصريانه (كاسترو جيوفاني)، وهي من مدن صقلية المهمة، وكان للخليفة العباسي نصيب في مغانمها، مما يشير إلى أن الدولة الأغلبية كانت ما تزال تعترف بسيادة الخلافة العباسية، على الضعف الذي أصابها.
لم يطل حكم أحمد، فقد توفي سنة 249هـ/ 863م، وعمره ثمان وعشرون سنة، وخلفه في الإمارة أخوه أبو محمد زيادة الله الثاني (249 - 250هـ/ 863 -864م)، الذي كان عاقلاً حليماً حسن السيرة، جميل الأفعال، ذا رأي ونجدة وجود، نظم أمور صقلية، وأقر حاكمها الذي كان على عهد أخيه، ولم تقم ثورات في الداخل في عهده القصير، إذ حكم سنة واحدة وخلفه ابن أخيه أبو عبد الله محمد بن أحمد أبو الغرانيق (250-261هـ/ 864- 875م)، وكان أبو الغرانيق صغير السن حين تولى الإمارة إلا أنه كان حسن السيرة في الرعية جواداً، غلبت عليه اللذات والشراب والميل إلى الطرب والاشتغال بالصيد، ولاسيما صيد الغرانيق، فلقب بها، بنى قصراً في موضع السَهْلَين يخرج إليه لصيدها، وأنفق فيه ثلاثين ألف مثقال من الذهب وبدد أموال الدولة على لهوه فلم يترك لخلفه إلا خزانة فارغة. إلا أن حروبه في صقلية كانت مظفرة تخللتها بعض الانتكاسات، كما استطاع إعادة فتح جزيرة مالطة سنة 261هـ/ 874م، وأسر ملكها، بعد أن كانت قد خرجت من يده سنة 255هـ/ 869م.
لم تكن علاقات أبي الغرانيق جيدة مع الدولة الرستمية والقبائل الخاضعة لها، مما اضطره إلى إرسال جيش كبير لقتالها بقيادة أبي خفاجة محمد بن إسماعيل، وتمكن هذا الجيش من تحقيق الانتصار في البداية، وأطاعته القبائل في منطقة الزاب، وعبرت عن طاعتها بتقديم الرهائن، ماعدا بني كملان من قبائل هوارة، فاضطر لقتالهم وانتهت المعركة بكارثة لجيش الأغالبة، فقتل قائد الجيش وجماعة من كبار قادته وكثير من جنده.
توفي أبو الغرانيق سنة 261هـ/ 879م وقد حكم إفريقية وما يليها عشر سنين وخمسة أشهر ونصف، وعاصر من الخلفاء العباسيين، المستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد، وأقره كل منهم على ولايته. وخلفه في الحكم ابنه أبو عقال الأغلب وكان صغيراً فتولى عمه إبراهيم بن أحمد أبو إسحق الوصاية عليه، وحلف الأيمان على حسن الوصاية، ولكنه حنث بأيمانه واغتصب الولاية لنفسه، ولم يمض عليه في الإمارة غير أيام.
استقر إبراهيم بن أحمد (261-289هـ/ 875 -902م) في القصر الجديد بمدينة رقّادة، التي بناها، وحصل على بيعة مشايخ أهل القيروان ووجوه أهل إفرِيِقِيَّة وجماعة من بني الأغلب، وكان حكمه من أطول عهود أمراء الأغالبة. بدأ عهده بكف الظلم ونشر العدل، وكان يجلس بنفسه للمظالم في جامع القيروان يوم الخميس والاثنين من كل أسبوع.
لقي إبراهيم بن أحمد متاعب من الطولونيين جيرانه في مصر، منذ أن فكر العباس بن أحمد بن طولون بالاستقلال عن والده، وتأسيس إمارة له في برقة وطرابلس وما يحتله من المناطق التابعة للأغالبة سنة 265هـ/ 878 -879م. وراح يراسل قبائل الأمازيغ (البربر) فاستجاب له بعضهم في أقاليم إفريقية الشرقية، فأرسل إبراهيم جيوشاً التقت العباس في وادي ورداسة، ولكن جيش إبراهيم انهزم ودخل العباس لَبْدَة، وحاصر طرابلس ولم يحسن جنده معاملة الأهالي فثار عليه بربر نَفُّوسة الإباضية وقاتلوه مع جيش إبراهيم، واضطر العباس إلى الانسحاب بقواته انسحاباً غير منظم تاركاً ما في معسكره من الأموال والعتاد. وإضافة إلى هذا الاضطراب الذي حدث في طرابلس فإن اضطرابات أخرى حدثت في تونس وبلاد الزاب، فقد ثارت على إبراهيم قبيلة هوارة، وقبيلة لواته في باجة سنة 268هـ/ 881 -882م ولكنه قمعهما بقسوة متناهية.
استقرت الأمور لإبراهيم في الداخل خمس سنوات بعد ذلك، فعمل في هذه المدة على إصلاح الأوضاع المالية، وقرر التعامل بالدراهم الصحاح من الفضة، ولقي في عمله هذا معارضة قوية من أهل القيروان، انتهت باضطراب وقتالٍ مع الأمير، ولكنه نجح في تحقيق سياسته المالية، وضرب دنانير ودراهم جدداً سماها العشرية.
كذلك كانت حروب إبراهيم في صقلية ناجحة، ففتح سرقوسة وطبرمين. واعتمد في جيشه على السودان، فاشترى أعداداً كبيرة منهم، وأحسن تدريبهم، وكساهم الكساء البديع، وكانوا ساعده في الحروب، وأظهروا من الشجاعة والقوة ما لا يوصف، وبعد أن اطمأن إليهم سعى إلى التخلص من الجند الصقلبي.
تبدل مزاج إبراهيم بن أحمد نحو القسوة الدموية في المدة الأخيرة من حكمه، فكان يقمع الثورات بعنف، ويعمل على التخلص من مسببيها، بأساليب دموية، وشدد قبضته على البلاد فعهد إلى أبنائه بولاية الأقاليم، وجعل مركزه بين رقادة وتونس. ودبت في نفسه الريب من رجال الدولة والمقربين فراح يعمل على تصفيتهم بطريقة سوداوية، ومن ذلك ما قام به سنة 280هـ/ 893م من الإيقاع برجال قلعة بَلْزَمة جنوب غربي باغايَة، وهم من القيسية، فكان ذلك المسمار الأول في نعش الدولة الأغلبية، إذ عم الاضطراب أنحاء البلاد. وأدى عنف إبراهيم وقسوته وسوء فعله إلى غضب أهالي القيروان وسخطهم عليه، فشكوه إلى الخليفة العباسي المعتضد بالله الذي كتب إليه سنة 283هـ/ 896م منذراً، إن لم ينته عن قسوته وسوء فعاله، فإنه سيسلم ما بيده إلى ابن عمه محمد بن زيادة الله، وكذلك أرسل له رسولاً سنة 287هـ/ 900م يطلب منه اعتزال الحكم، وتولية ابنه أبي العباس على إفريقيَّة، ثم المسير مع الرسول إلى بغداد للقاء الخليفة. واستجاب إبراهيم لهذا الطلب فاعتزل الحكم سنة 288هـ، واستقام ولبس الخشن من الثياب، وأخرج من في سجونه، ورد المظالم، وأسقط المكوس، وأخذ العشر بدلاً من الضريبة الثابتة، وترك لأهل الضياع خراج سنة سماها سنة العدل، وأعتق مماليكه، وأعطى فقهاء القيروان ووجوه أهلها أموالاً عظيمة، ليوزعوها على الفقراء والمساكين، ثم استقر بعد ذلك في صقلية مجاهداً حتى وفاته سنة 289هـ/ 902م.
وفي عهده دخل داعي دعاة الفاطميين، أبو عبد الله الشيعي إلى بلاد كتامة سنة 280هـ/ 893م وبدأ دعوته فيها.
سقوط دولة الأغالبة
تولى الإمارة بعد إبراهيم ابنه أبو العباس عبد الله (289-290هـ/ 902-903م) وكان في صقلية حين تنازل له أبوه عن الإمارة، ويمكن عدّ عهده القصير استمراراً لعهد والده. وكان ساعد أبيه الأيمن في حروبه في مختلف الأقاليم، ولاسيما في قيادة الجيوش في صقلية، كما كان شجاعاً عالماً بالحرب، حسن النظر في الجدل. أعاد النظر في أعمال أبيه، وقام بتغييرات في ولاية الأقاليم، واصطدم مع داعي دعاة الفاطميين الذي استولى على ميلة.
تغيرت أحوال عبد الله بعد مدة قصيرة، فأظهر التقشف، ولبس الصوف، وأظهر العدل والإحسان والإنصاف، وجالس أهل العلم وشاورهم، فكان يجلس معهم على الأرض، وترك قصر الرقادة وسكن داراً مبنية بالطوب، وكان لا يركب إلا إلى الجامع. سجن ابنه زيادة الله سنة 290هـ/ 903م في داره، لأنه وصل إلى علمه أنه ينوي الخروج عليه، ولكنه ما لبث أن اغتيل في منزله بمدينة تونس على يد غلمانه في السنة نفسها. وآلت الولاية والإمارة إلى ابنه المقيد زيادة الله بن أبي العباس (290-296هـ/ 903-909م) الذي خرج من السجن إلى سرير الملك، وكان آخر أمراء الأغالبة في بلاد المغرب، فأخذ البيعة لنفسه من أهله وأقاربه، وقرأ كتاب البيعة على منبر المسجد الجامع بتونس، ولكنه، نتيجة للطريقة التي وصل بها إلى الحكم بدأ عهده بإراقة الدماء، فغدر بأعمامه وإخوته، وقتل بعض فتيانه وقادته، واشترى بعضهم بالمال، وشهد عهده انتصارات داعي دعاة الفاطميين أبي عبد الله الشيعي المتوالية، على كثرة الحشود التي حشدها لقتاله، فاستولى أبو عبد الله على سطيف، ثم قسنطينة سنة 292هـ/ 905م بعد معركة حامية، خسر فيها زيادة الله جنده وسلاحه وماله، وتوالت هزائم الأغالبة يوماً بعد يوم، فاستولى أبو عبد الله على بَلْزَمة وطَبْنة، وألغى نظام الضرائب الأغلبي، كما سقطت بيده تيجَس وتبعتها باغاية في شعبان سنة 294هـ/ 907م ثم مجانة وقصر الإفريقي وتيفاش وقالمة أو قالة ومسكيانة وتبسَّا ومديرة (حيدرة) ومرماجنة والقصرين ثم توزر وقفصة، ثم سقطت الأرْبُس في 24 جمادى الآخرة سنة 296هـ/ 18 آذار 909م بعد معركة حاسمة. وهكذا أخفق زيادة الله في وقف المد الفاطمي، على الرغم من محاولاته الاتصال بالخلافة العباسية طالباً النجدة من الخليفة المكتفي بالله أولاً ثم من الخليفة المقتدر بالله، وتوثيق صلاته بالحسنيين أقارب الأدراسة في المغرب الأوسط، وتحريضه الفقهاء في إفريقيّة وعامة الشعب على الفاطميين، وإعادته العاصمة إلى رقّادة. فدب اليأس إلى قلبه وانغمس في اللهو والشراب. وبعد سقوط الأرْبُس في يد الفاطميين فر إلى طرابلس ومنها إلى مصر ففلسطين، وتوفي في الرملة. فبايع الأغالبة ابن عمه إبراهيم بن أبي الأغلب، ولكن الناس ثاروا عليه بعد أخذه البيعة مباشرة مطالبين بالأمن والسلام، واضطروه إلى الخروج من العاصمة ودخل الفاطميون القيروان ثم رقادة. كذلك خلع الصقليون طاعة الأغالبة، وأعلنوا طاعتهم للفاطميين وبذلك سقطت دولة الأغالبة.
أهم المظاهر الحضارية لدولة الأغالبة
توارث الأغالبة الحكم في الأسرة من دون نظام دقيق، فكانت الإمرة تنتقل من الأب إلى الابن أو إلى الأخ أو إلى العم أو ابن الأخ، ولم يخل الأمر من وقوع نزاع على العرش، ولم يأخذ هذا النزاع منحى حاداً إلا في نهاية حكم الأسرة.
ظهرت في دولة الأغالبة كل التيارات الفكرية المعروفة في المشرق والمغرب على السواء في المجالين الديني والدنيوي. وبرز فيها أعلام لهم مكانتهم، وعلى رأسهم أسد بن الفرات (ت213هـ) الذي يمثل ازدواج التأثير في القيروان بين مدرستي المدينة المالكية والعراق الحنفية، ودوّن ما اكتسبه في كتابه الأسدية في الفقه، كذلك اشتهر عبد السلام بن سعيد التنوخي الملقب بسحنون صاحب المدونة، التي أصبحت كتاب الفقه المالكي الأساسي للمغرب والأندلس فيما بعد. وكان لهذين الفقيهين أثر في الجهاز الإداري، فقد أسندت إليهما أعمال متعددة كانت من صلاحيات الأمراء. كما برز في عهد أبي الغرانيق الفقيه المالكي محمد بن سحنون (ت256هـ/870م) الذي اشتهر بالفقه والجدل والحديث، وكان كثير الكتب غزير التأليف له نحو مئتي كتاب في فنون العلم، وكانت له مواقف مناهضة لمذهب الأحناف وهو مذهب دولة الأغالبة، كما خالف مقالة المعتزلة بخلق القرآن، وحدث في عهد أبي الغرانيق خلاف في الرأي بين السحنونية أنصار محمد بن سحنون، وبين العبدوسية أتباع محمد بن إبراهيم بن عبدوس، الذين أطلق عليهم لقب الشكوكية. وقد نال الفقهاء هذه المكانة على الرغم من الخلافات التي فرقت صفوفهم بين مالكية وأحناف يطعن كل منهما بعلم رجال الفريق الثاني، كذلك ضمت دولة الأغالبة معتزلة وخوارج من الصفرية والإباضية، وكانوا يعملون حلقاً في المسجد يتناظرون فيه، وتمكن الإمام سحنون من الوقوف في وجه الخوارج، إلا أنه كان عاجزاً عن مثل ذلك أمام المعتزلة لأنهم تمتعوا بحماية الأمراء، ولاسيما الأمير أحمد (242-249هـ) الذي عد الاعتزال مذهباً رسمياً للدولة مدة مؤقتة، وأخذ الناس بمحنة خلق القرآن، وانحصر نفوذ المعتزلة في الأوساط العُليا فقط، أما العامة فكانت معادية لها. كذلك عرفت دولة الأغالبة أطباء انتقلوا إليها من المشرق، لعل أشهرهم إسحاق بن عمران الذي جمع بين الطب والفلسفة بديار المغرب.
بنى الأغالبة مدينتين ملكيتين كانت أولاهما العباسية أو القصر القديم، وقد بناها إبراهيم بن الأغلب مؤسس الدولة، وبنى فيها قصره ومساكن حاشيته والمسجد الجامع، ودار سك النقود والدواوين، وأحاطها بالأسوار القوية، وجعل من خلفها خندقاً يحيط بها. وفي وسط المدينة ساحة واسعة عرفت بالميدان كانت تستخدم لعرض الفرسان، واتسعت العباسية، وأخذت تنافس القيروان بحماماتها الكثيرة وفنادقها وأسواقها.
أما المدينة الثانية فهي رقّادة التي بناها إبراهيم بن أحمد، وقد ابتدأ بها سنة 263هـ/ 977م وبنى فيها القصور، منها قصر بغداد، وقدر لهذه المدينة أن تنمو وتتسع باطراد، فأضاف إليها الأمراء من بعده قصوراً أخرى أشهرها قصر العروس الذي بناه زيادة الله الثالث بن عبد الله على أربع طبقات، وأنفق فيه 232 ألف دينار. وبنى محمد بن أبي عقال الأغلب مدينة قرب تاهرت سماها العباسية. كما اهتم الأغالبة ببناء الصهاريج (خزانات المياه) التي عرفت باسم «ماجل» وكان يوجد خارج مدينة القيروان خمسة عشر ماجلاً للماء يستقي منها أهلها، لعل أعظمها شأناً ماجل أحمد بن الأغلب بباب تونس من أبواب القيروان. وهو مستدير متناهي الكبر، في وسطه صومعة مثمنة في أعلاها قصبة، يدخل إليها في مركب يسمى بالزلاج. ويتصل بهذا الماجل أقباء طويلة، وبجوفه ماجل لطيف متصل به يسمى الفسقية، يقع فيه ماء الوادي، فإذا ارتفع الماء في الفسقية قدر قامتين يدخل إلى الماجل الكبير من باب بين الماجلين يسمى السرح. كذلك بنى الأغالبة قنطرة باب أبي الربيع لجلب الماء من الجبل.
أما المساجد فكثيرة. وكان زيادة الله الأول بن إبراهيم قد جدد مسجد القيروان، وأقام في قاعة الصلاة عدداً كبيراً من الأعمدة الرائعة التي أحيطت أطرافها بأشرطة من الخشب ذات التزيينات المحفورة. وقام بعض خلفاء زيادة الله بإضافة عناصر عمرانية وتزيينية جديدة إلى ذلك المسجد. كذلك أحدثت بعض الإصلاحات والإضافات في المسجدين الكبيرين جامع الزيتونة في تونس والجامع الكبير في سوسة، كما بنيت المساجد الفخمة في القيروان وغيرها، كذلك عني الأغالبة بتحصين المدن. ولا ريب أن غنى ولاية الأغالبة في الزراعة والتجارة ساعدهم على جمع المال اللازم للعمران، وساعد في تنشيط الزراعة نشر الأمن في الطرق وتحسين وسائل المعاملات التجارية ولاسيما النقد، فقد ضرب الأغالبة نقوداً ذهبية ظل عيارها صحيحاً وقدره 4.5غ ذهب حتى أواخر أيام الأسرة حين انحط العيار إلى 4.12غ ثم إلى 4غ فقط. ومن اهتمامات الأغالبة الأخرى بناء الأربطة من أجل الجهاد وعلى رأسها قصر المرابطين بسوسة. وقيل إن أحمد الأغلبي بنى بأرض إفريقية عشرة آلاف حصن بالحجارة والكلس وأبواب الحديد.
تسلسل أمراء الأغالبة:
1ـ إبراهيم بن الأغلب 184-196هـ/ 800 -811م.
2 ـ عبد الله بن إبراهيم 196 -201هـ/ 811- 816م.
3 ـ زيادة الله بن إبراهيم 201- 223هـ/ 816 - 837م.
4 ـ أبو عقال الأغلب بن إبراهيم 223 -226هـ/ 837 -840م.
5 ـ محمد بن أبي عقال الأغلب أبو العباس 226 - 242هـ/ 840 - 856م.
6 ـ أحمد بن محمد 242 - 249هـ/ 856 - 863م.
7 ـ زيادة الله الثاني بن محمد 249 - 250هـ/ 863 - 864م.
8 ـ محمد بن أحمد 250 - 261هـ/ 864 - 874م.
9 ـ إبراهيم بن أحمد 261 - 289هـ/ 874 - 902م.
10 ـ عبد الله بن إبراهيم 289 - 290هـ/ 902 - 903م.
11 ـ زيادة الله الثالث بن عبد الله 290 ـ 296هـ/ 903 ـ 909م. توفي سنة 299هـ.
الدولة الفاطمية (358-567هـ/ 969-1172م)
لم تنقطع حركات المتشيعين ولم تتوقف، فقد كانوا متعصبين لآرائهم، مؤمنين بفكرتهم، يزعمون أن أحق الناس بالخلافة أبناء علي من نسل السيدة فاطمة الزهراء، فإن نالها غيرهم فما ذاك إلا أمر باطل يجب أن يمحي، وما هو إلا شرّحَلَّ بالمسلمين يجب أن يزال. ونشط دعاة الشيعة في الدعوة إلى مذهبهم، وبخاصة في الجهات البعيدة عن مركز الخلافة، مثل أطراف فارس واليمن وبلاد المغرب.
وكان من هؤلاء الدعاة "أبو عبد الله الشيعي" وهو رجل من صنعاء اتجه إلى المغرب بعد أن رأى دويلات "الأغالبة" و"الأدارسة" وغيرهما تنشأ وتقام بعيدًا عن يد الدولة العباسية وسلطانها، وركز "أبو عبد الله" دعايته بين البربر، وسرعان ما انضموا إليه في آلاف عديدة، فأرسل إلى زعيمه الفاطمي الكبير "عبيد الله بن محمد".
قال "عبيد" بأنه شريف علوي فاطمي، ولكن الخليفة العباسي علم بالأمر فطارد "عبيد الله" هذا، وأمر بالقبض عليه، فاضطر حين وصل مصر إلى أن يتنكر في زي التجار، ثم حاول أن يفلت من دويلات شمال إفريقيا، ولكنه سقط أخيرًا في ي